بقلم: شاكر فريد حسن مر اربعون يوما منذ ان عانقت روح حسين جميل البرغوثي الطاهرة ارض الوطن، بصدام عاش حياته الاخيرة بين نار حصارين، حصار الموت الذي قطع عنه الدواء، وحصار المرض الخبيت الذي نهش جسده المتعب لم التق بحسين البرغوثي ولم اشرب القهوة معه، لكنني عرفته جيدا من خلال كتبه وتجاربه النقدية الجادة وكتاباته الابداعية الصادقة التي نشرت في الصحف والدوريات الادبية والثقافية الفلسطينية الصادرة في الوطن المحتل، فتوسمت فيه خصال الانسان الواعي والمثقف الطلائعي الذي يعي دوره وكل ما يدور حوله، والمضحي بروحه ودمه في سبيل الخلاص الوطني لابناء شعبه الذبيح والمشرد والمقيم، ورسمت له في مخيلتي صورة للناقد الموضوعي الهادئ الذي لا يراوغ ولا يطلق الاحكام النقدية جزافا وانما يكتب بكل صدق وموضوعية ونزاهة، لاستكشاف الملامح الحقيقية للعمل الابداعي واستنباط مضامينه وموضوعاته ومقوماته الفنية، وهذا ما لمسناه بوضوح في كتابه النقدي الهام "ازمة الشعر المحلي" الذي اثار عاصفة من النقاش والجدل الادبي في الاراضي المحتلة حين صدوره، ويتحدث فيه عن الازمة العميقة التي تعصف بالادب المحلي والمتمثلة بالدواوين الشعرية المطروحة في السوق، ومن اهم مظاهرها سطحية المضامين وهشاشتها والاقتصار في مضمون القصيدة على ثرثرة السطح وعدم القدرة على ادراك العلاقات الجوهرية التي تحركه، مبينا ان من يكتب فنا رديئا للجماهير يخون الفن والجماهير معا والحقيقة ان النصوص النثرية التي صاغها يراع حسين البرغوثي تميزت بشفافيتها وعمقها وسلاستها وجودة لغتها والتزامها الراسخ بقضايا وهموم الوطن الفلسطيني وجراحه، وشكلت سمفونية للحياة والموت معا، وترانيم عشق يفوح منها عبق الدم الفلسطيني المسفوح ورائحة الارض والتراب والصبار وتصوغ كلماتها ملحمة الصمود والنضال الفلسطيني اعطى حسين البرغوثي للوطن والجماهير كل ما تحمله الروح ويختزنه القلب من مشاعر جياشة وفياضة ودافقة بالحب الكبير والشمولي لكل ما هو جميل، في هذه الحياة الزاخرة بالالم والهم والعذاب الانساني، وقد رحل قبل ان تكتحل عيناه برؤية الدولة المستقلة والحرة التي رسم صورتها المثلى في ابداعاته وكان يحلم ان يعيش في كنفها مات حسين الرغوثي ولا يزال يغني للشعب المقهور والارض الحزينة ولآهات الثكالى وزفرات الطفل المحروم من الطفولة ولرمال شاطئ غزة وسهولها وبياراتها اليانعة فاليك ايها المتماوت الراقد تحت شجرة اللوز قرب بيتك سلاما من عشاق ادبك، وعهدا ان نلتقي معا في التراب وقد تحقق حلمك واملك، وستظل كلماتك اللاهبة ملاذنا وسلاحنا الفتاك في هذا الزمن العاهر الذي تصادر فيه الكلمة ويغتال الفكر والوعي الواثق بالحياة والمستقبل والرافض للموت |
|